أبو بريص
هذا هو أبو بريص، يعرف هذا النوع تحديدا بكنية النمري، سنتأمل به الآن ونتحدث لبعض الوقت عن عائلة أبو بريص. نعلم أولا أنه من فصيلة السحالي، التي تنتشر في مناطق شاسعة من العالم، يمكن أن نجدها في المناطق الدافئة من أوروبا وأمريكا، وفي أستراليا والجزر الاستوائية، أي في كل مكان يتمتع ببعض الدفء فقط، فهي تسكن هناك.
هناك عدة أنواع من أبو بريص، يزيد عددها عن سبع مائة نوع مختلف منها، أي أنها عائلة متنوعة جدا. يسكن أبو بريص في ظروف بيئية متعددة، فمنها من يقيم في الصحارى الرملية الحارة والجافة، ومنها من يسكن السهول الجافة العشبية، وبعضها يقيم في أعالي الجبال، أو في أرجاء غابات المطر الاستوائية.
أي أنها تسكن في جميع أنواع الظروف البيئية، وهناك تنوع كبير أيضا في أحجام أبو بريص، يمكن لبعضها ألا يتخطى طوله أكثر من إنش ونصف، وهي بالغة النضوج، بينما يصل طول بعضها الآخر إلى أربعة عشر إنش ونصف. أي أن أحجامها متنوعة جدا أيضا.
سنبدأ الآن بالتعرف على بعض مزايا أبو بريص، لنرى إن كانت تجمع بين أنواعه بعض منها، لنتعرف أولا على جفن أبو بريص. تنقسم عائلة أبو بريص إلى مجموعتين: تحيط بعيون الأولى منها أجفان ، والأخرى بدون أجفان. قد يعلم البعض بأن لغالبية السحالي أجفان، إلا أن غالبية أبو بريص بدون أجفان، علما أن هذه تشكل أزمة كبيرة، فكيف تحمي العين وتحافظ على نظافتها بدون جفن؟
لدى أبوبريص الذي ليس له أجفان، حراشف شفافة صلبة، تغطي حدقة العين، وهي تحميها من المطر والغبار والحشرات الصغيرة التي تدخل في عيناه، لتبقيها بأمان دائم، ولكن إذا استعمل بعضكم النظارات، يمكن أن يعرف بأنه يواجه مشكلة بها، ألم تقع بصمات يدك على الزجاج يوما، وبدأ الغموض يخيم على كل شيء؟ حتى وإن كانت نظارات شمسية عندما ينهمر المطر فجأة، وحين تغطيها المياه تفقد الرؤية بالكامل. وهذا ما ينطبق ايضا على الحراشف الشفافة التي تغطي عينا أبو بريص، هل تعرف كيف يحافظ على نظافتها؟ يخرج لسانه من فمه، ويلحس به عيناه، أي أنه يستعمل لسانه ليحافظ على نظافة عيناه. أليست هذه طريقة غريبة لتنظيف العيون؟ لا أعتقد أننا نستطيع ذلك حتى لو أردنا.
أما المجموعة الأخرى من أبو بريص، فلها أجفان، تتولى حماية عيونها وتحافظ على نظافتها باستمرار، يمكن أن ترمش تماما كما نحن البشر. أي هناك تنوع في الأجفان، وهذا ينطبق أيضا على العيون ذاتها، فللبعض عيون يمكنها الرؤية في الليل، وفي هذه الحالة عادة ما تكون العيون شبيهة بعيون القطط، وأحيانا ما تعتمد رؤيتها على الأبيض والأسود فقط، فأنت في عتمة الليل، لا يمكن أن تميز الألوان، لا داعي هنا للرؤية الملونة.
أما المجموعة الأخرى من أبو بريص فيمكنها الرؤية في النهار، هذا النوع، يتمتع بحدقات مستديرة، ويمكنه الرؤية بالألوان، والرؤية الملونة في وضح النهار تساعد على الرؤية جدا، لأنها تمكن من العثور على الطعام والهرب من الأعداء، كما والعثور على أماكن تلجأ إليها كي تختبئ وما شابه ذلك. أي أن الرؤية الملونة تساعد كثيرا إذا كان هناك ما يكفي من الضوء لاستخدامها. أي أن هناك فوارق كبيرة في العيون.
هناك مزايا أخرى بين مجموعات أبو بريص، هو السمع، جميعنا يعرف أن للسحالي آذان يمكن أن تسمع بها جيدا، ولكن إلى جانب ذلك يتمتع عدد من هذه الزواحف بالقدرة على إصدار أصوات بالفم والحنجرة. وحين أعني إصدار الأصوات لا أعني بذلك ما يصدر مثلا على ذيل المجلجلة، أو عما يصدر عنها حين تنفث، بل هو مجرد تنفس بصوت مرتفع وسريع، بل ما نتحدث عنه هنا هو إصدار أصوات عبر الفم والحنجرة. بعضها يصدر أصواتا عاليا، أحد الأمثلة على ذلك نجده في نوع التوكي، لدرجة أنه يعزف أنشودة صغيرة يسمونها أغنية توكي، فيها كلمة واحدة، هي توكي، وهم ينشدونها في الليل فقط، أي أنهم من المجموعة الليلية، وأصواتهم مرتفعة جدا، وهي سحالي كبيرة يصل طولها إلى أكثر من قدم، وحين يجتمع عدد كبير منها معا، تحت نافذة بيتك، في الثالثة صباحا حين ينشدون معا، من المحتمل أن تكف عن النوم وتقرر النهوض من الفراش نهائيا. أي أن بعض مجموعات أبو بريس تصدر أصواتا عالية، وتتمتع بسمع قوي جدا.
لنتحدث الآن قليلا عن لسان أبو بريص، سبق أن ذكرنا أن بعضها يستخدم اللسان لمسح كرة العين، أتعرف ماذا ينظفون به أيضا، تأكد أنهم ينظفون به الأنف أيضا. قد يشعر البعض بالتقزز ولكن هذا ما تفعله باللسان أيضا، خاصة وأنها لا تجد وسيلة أخرى تنظف بها الأنف، لهذا أعتقد أن اللسان يصلح لوظيفة أخرى هنا. كما يستخدمون اللسان للتذوق أيضا مثل أبناء البشر تماما، بالإضافة إلى استخدامه كوسيلة تعزز حاسة الشم لديهم. وذلك بإخراجه من الفم والتقاط بعض جزيئات الهواء وإعادته إلى الفم للتحليل ومعرفة ما يشمونه. أي أن لسان أبوبريص يقوم بأعمال متعددة.
هناك عضو متنوع الأداء لدى أبو بريص وهو الذيل. نعرف جيدا أن الكثير من السحالي، تحرك ذيلها بسرعة كبيرة عندما تقطعه، ما يجعل العدو يطارد ذيلها الصغير ويترك السحلية كي تنجو بنفسها. إنها طريقة في الهرب من العدو، وهذا ينطبق أيضا على هذه السحلية ، التي ينقطع ذيلها ليطارده العدو ويترك أبو بريص وشأنه.
وجميعنا يعرف بأن الذيل ينمو مرة أخرى كلما انقطع، ولكن عندما ينقطع ذيل أبوبريص بطريقة غير مشروحة، عادة ما ينمو له ذيل آخر، ولكن أحيانا ما ينمو له اثنان، كما ينمو له ثلاثة أذيال في جميعها وقت واحد. لا شك أن هذا يمنح السحلية شكلا غريبا.
المهم أنها طريقة مناسبة للتخلص من الأعداء، رغم نمو ثلاثة أذيال لها بعد ذلك بدل ذيل واحد.
هناك استخدام آخر لذيل هنا، لنأخذ مثال أبوبريص النمري الذي يتمتع بذيل بدين جدا، هل تعرف ماذا يفعل بالذيل؟ إنها يخزن فيه بعض الطعام والشراب الإضافي، أي أنه بمثابة زاد محمول، يلجأ إليه في مواسم يسود فيه الجفاف حيث لا يتوفر فيه الطعام والشراب، فيعتمد على زاده المحمول ليبقى على قيد الحياة، فلا يموت وهذا استعمال جيد أيضا للذيل.
هناك استعمال الآخر للذيل لدى البعض ممن يعلقون فيه بعض أحمالهم، ومن هذه المجموعة من تستخدم الذيل على طريقة القرود تماما، أي أنها تتأرجح به على الأغصان، أو تمسك بأشياء وكأنها تمسك باليد، أي أن لأبوبريص استعمالات متعددة للذيل، ولكن أغرب استعمال للذيل لديه، هو ذلك الذي لدى ما يعرف بالمجموعة المحلقة منه، مع أنه لا يحلق أو يطير كالعصافير بل يقفز بين الأغصان ويهبط وكأنه يسقط عبر مظلة من الطائرة، عندما يهبط على الأرض يعتمد على ذيل واسع جدا، وهو يستعمله في التوجيه كمقود أثناء تحليقه في الهواء. لا شك أن هذا استعمال غريب فعلا.
يمكن أن ترى بأن هناك أنواع كثيرة من أبو بريص لديها أشكال متعددة من الأذيال تستعملها بطرق مختلفة جدا. ولكن من المحتمل جدا أن يكون أغرب ما في أبو بريص، هو قوائمه. يعرف عن هذه السحلية أنها الأكثر براعة بالتسلق في العالم. يمكن أن ترى هذه المخالب الحادة في نهاية أصابعه، وهو يستعملها لتسلق الأشجار والصخور والجدران، أي أنه يتسلق أماكن كثيرة لأنه متسلق بارع جدا، ولكن بعض الأنواع تتميز بأشياء ليست لدى النمري، فبعضها إلى جانب المخالب، لبّادة امتصاص، تلتصق حيثما وقعت، أفضل مثال علة ذلك هو التوكي، فهو إن مشى على الأرض، تلتصق قوائمه هناك، وهذا ينطبق على الجدران، أي أنه يستطيع المشي على سقف البيت من الداخل، ليس لديه أي مشكلة في ذلك، يمكن أن يمشي على زجاج النوافذ أيضا، وعلى المرايا وعلى كل ما هو مسطح، بلبادات الامتصاص هذه. أعرف أن القط متسلق رائع، فهو يتسلق الأشجار وكل ما في غرف النوم من أثاث وأشياء كثيرة أخرى، ولكنك لن ترى القط أبدا يمشي على سقف البيت من الداخل، أما أبوبريص توكي وغيره يستطيعون القيام بذلك، ولكن ماذا إن أراد أن يتسلق شيئا غير مسطح مثل الشجرة بلحى خشنة؟ هل يمكن للبادة أن تمسك في أماكن كهذه خشنة وليست مسطحة أبدا لا يمكن، لأنه يحتاج إلى سطوح ناعمة، هل يعني ذلك أنه لا يتسلق الأشجار، كلا، لأن لديه مخالب أيضا، يمكن أن يستعملها لتسلق الأشجار، وهنا قد يقول البعض أن هناك مشكلة، على اعتبار أن المخالب قد تدفع اللبادات ليسقط عن الأسطح الناعمة، أنت على حق ولكن هناك معلومة أخرى، وهي أنه يعتمد على مخالب متحركة، مثل القطة، إذا أراد استعمال المخالب، يمكنه إبرازها، وإلا فيمكنه أن يبقيها جاخل أصابعه. أي أنها لا تشكل عائقا أمام استعمال اللبادة أبدا. أي أن أبوبريص هو أفضل متسلق في العالم أجمع.
لا شك أن هذا يتسلق الأشجار ولكني أريدك أن ترى نوعا يتسلق الجدران وأسقف المنازل من الداخل.
والآن سوف نتعرف على أبوبريص توكي. وسوف أجعلكم ترون كيف يتمكن باللبادات من تلق الجدران وأسقف المنازل من داخلها، ترون أني وضعته في علبة بلاستيك، أما السبب في ذلك فهو كي ترونه وهو يفعل ذلك، فلو تركته يتسلق الجبل ورائي لفعل ذلك ببراعة ولكنه سيختفي بعدها ولن نعاود رؤيته أبدا. أما هنا فسيبقى حيث أريده أن يكون، حتى ترونه.
يمكن أن ترى بوضوح هنا أنه يتمتع بلبادات الامتصاص التي يعتمد عليها، وهي تلتصق بجانب الصندوق هنا، تمام كما تلتصق بالجدار، أو أي شيء مسطح آخر، والآن إذا قلبنا العلبة هكذا يمكن أن ترى بأنه أصبح رأسا على عقب يمسك بالسقف، ولا شك أ، المخالب لا تنفعه هنا، أي أنه معلق بالسقف بفضل اللبادات الماصة التي في أسفل قوائمه.
لا شك أنك توافقني الرأي في أن التوكي يستطيع التسلق على أي شيء، أفضل من جميع الحيوانات، لأنه يتمتع بالمخالب وبلبادات ماصة تساعده على تسلق الأماكن أكثر من أي شخص آخر، يمكن القول أنه بطل التسلق الحقيقي، في عالم الحيوانات.
=-=-=-=-=-=-=-=
هذه أفعى الذرة، أو أفعى الجرذ الأحمر، أي أنها تحمل الاسمان معا، قد يتساءل البعض من أين يأتون بهذه الأسماء الغريبة للثعابين، عل تعني انه يأكل الجرذ الأحمر، أم أنه يأكل الذرة؟ كلا على الإطلاق، بل لأنه يتواجد في حقول الذرة، ويجدونه حيث يحصدون الذرة، وفي المستودعات وفي المعالف. ولكنه لا يذهب إلى هناك ليأكل الذرة، بل لأكل الحيوانات التي تأكل الذرة، أي أنه يبحث عن الجرذان. المزارعون يحبون هذا الثعبان، لأنه كلما أكل مزيد الجرذان كلما بقيت كمية أكبر من الذرة للمزارع، أي أن أفعى الذرة، شهيرة جدا في المزارع.
الاسم الآخر لها هو أفعى الجرذ الأحمر، ولكن هذا لا يعني أنها تأكل الجرذ الأحمر، طبعا لا، بل يعني أنه يميل إلى الاحمرار، وأنه يأكل الجرذ.
هناك عدة أنواع من أفاعي الجرذ، من بينها أفعى اللاك التي هي كبيرة جدا يبلغ طولها أحيانا ستة أقدام، هناك أفعى الجرذ الأصفر والرمادي، هناك أنواع متعدد من أفاعي الجرذ. وهي تتمتع بكثير من المزايا المشتركة بينها. أولا أنها جميعا تأكل الجرذ، ولكن هذا ليس كل ما تأكله، بل تأكل الفئران والسحالي، وفي بعض المناطق تأكل الكثير من الدجاج، لدرجة أن الناس يسمونها أفعى الدجاج، ولكنها عادة ما تسمى أفاعي الجرذ.
يمكن أن يقال أيضا أنها عاصرة، أي أنه تلف جسمها حول الفريسة وتعصر حتى تتوقف عن التنفس، بعض العاصرات يتمتعن بقوة هائلة، مع أن طول بعضها لا يتعدى أربعة أقدام، ولكن هذا لا يعني أنها ليست قوية، بل يمكنها أن تضم الطريدة بشدة وعزم.
يسكن الكثير من هذه الثعابين في الولايات الجنوبية من أمريكا، وهناك مشكلة في الجنوب هي أن المناخ حار جدا، هذه هي المشكلة بالنسبة لجميع الأفاعي أيضا لأنها من ذوات الدم البارد، وهذا لا يعني أن دمها بارد، بل أن حرارة الدم تتأقلم مع حرارة الجو من حولها، فإذا كانت حرارة الجو صفر، تهبط حرارة جسمها إلى الصفر، وإذا ارتفعت حرارة الجو إلأى مائة ترتفع حرارة الثعبان معه.
فعلى الثعابين أن تحاذر من الخروج عندما تكون الحرارة مرتفعة جدا، أو منخفضة جدا، وإذا حدث ذلك، من المحتمل أن تنتهي بالغليان، أو أن تتحول إلى جليد، كلا الاحتمالين خطر عليها، لهذا عليها أن تتنبه جدا إلى الحرارة.
في فصل الصيف، أعني بعد ظهر أيام الصيف، لا تخرج الثعابين للتجول تحت حرارة الشمس، لأن المناخ حار جدا ومن المحتمل أن يغلي دمها، ولكنها تمضي فترة الظهيرة في جحورها تحت الأرض، وربما تغوص في بركة ماء ، أو تجلس في ظل بعض الأعشاب والنباتات أو ما شابه ذلك، حيث الحرارة محتملة، لتخرج من هناك عند المغيب، فتذهب للصيد وشرب الماء وتجول في جميع الأماكن لتفعل ما تريده, لا بأس بذلك، ولكن ماذا إن كانت في منطقة باردة؟ عندما تغيب الشمس يصبح الجو أبرد، ما يعني أن ليس هناك ما يفعله الثعابين، لا يمكن أن تأكل أو تشرب أو تجول حولها، فالجو بارد جدا، ما يعني أنها تسكن في أماكن تعاني فيه من شتاء قاس، إذا حدث ذلك، يلجأ الثعبان إلى جحر في الأرض يسممونه الوكر، ويغوص في سبات عميق. عند هبوط درجة الحرارة في الخريف، يجتمع الكثير من الثعابين معا، وتنزل معا إلى الجحور في وقت واحد، التي تصبح وكرا لها.
هناك عدة أنواع من الثعابين التي تأوي إلى تلك الجحور ومن بينها أفعى الجرذ والنحاسية وغيرها حتى أن الأفعى المجلجلة تلجأ إلى ذلك الوكر أيضا، كل هذه الثعابين تجتمع معا، بما في ذلك الأفعى الملكة تنضم إليهم في الجحر هناك.
أعرف بما تفكر، قد تقول بأن الأفعى الملكة تذهب إلى هناك وكأنها ذاهبة إلى المطعم، أي أنها تريد أن تأكل كل تلك الأفاعي، ولكن لا، فهي لا تفعل ذلك، فهي لا تأكل أحد، بل تنضم إلى باقي تلك الثعابين التي هناك، وتلتف حول نفسها لتصبح كرة هائلة من الثعابين، حتى تبدو وكأنها كرة كبيرة من المعكرونة، حينها تسلم للنوم، وتغوص في سبات طول فصل الشتاء.
لا شك أن بعض الثعابين في إطار الكرة الخارجي، يتعرض لبرد شديد، قد يسبب موتها، وبعض الثعابين في وسط الكرة، لا يحصل على الأكسجين، فيموت، ولكن غالبية الثعابين تبقى حية، وهذه طريقة جيدة تعبر فيه فصل الشتاء.
عندما يحل الربيع، تكمن الفكرة في الاستيقاظ باكرا والخروج من ذلك الجحر. هل تذكر الأفعى الملكة التي جاءت في الخريف الماضي ولم تأكل أحد، أصبحت تشعر الآن بالجوع، وعندما تستيقظ في الربيع، تنظر حولها بدهشة، وتظن أنها في مطعم فاخر. أي أنها تريد أن تأكل كل ما ملكت، فإذا أرادت البقاء حية، على الثعابين أن تدخل الجحر باكرا، وتخرج منه باكرا، وإلا قد تتحول إلى وجبة غداء إلى ثعبان آخر.
=-=-=-=--=
كنا نجول بين رمال الصحارى في أستراليا، حين عثرنا على هذا الكائن الذي يسمى الدراغون الملتحي. أعرف أن بعضكم قد يمتعض من التسمية ويقول أن هذا ليس دراغون، لأنه يعرف شكله، فطوله حوالي مائة قدم، وهو أخضر اللون، لديه مخالب طويلة وأسنان حادة، ويطلق الدخان من أنفه والنار من فمه. فعلا، هذه خرافة الدراغون، وعندما يصرخ أحدهم قائلا أن هناك دراغون خلفك، هذه ما تتوقع رؤيته لا يمكن أن تتخيل شيئا كهذا. ولكن هذا دراغون صغير، لا يتعدى طوله قدم ونصف القدم، وليس مائة قدم، كما لديه مخالب مع أنها صغيرة، ولديه أسنان حادة ولكنها صغيرة جدا، كما أن لونه يتراوح بين الرمادي والبني أي أنه ليس بعيد جدا عن الأخضر، ولكن هل تعلم أنه لا يخرج الدخان من أنفه ولا النار من فمه، أي أنه ليس شبيه بالدراغون الذي نسمع عنه في القصص الخرافية.
ولكن هل تعرف كيف يهرب الدراغون الخرافي من أعدائه؟ ماذا يفعل إذا هاجمه حيوان ما؟ هل يحلق عاليا بأجنحته؟ كلا. وهل يفر هاربا؟ كلا. هل يعض خصمه؟ لم أسمع بذلك أبدا. كل ما يقوم به ذلك الدراغون، هو شيه بالنار. فعلا فهو يخرج النار من فمه ليشويه ويحمصه.
أنما هذا فلا يفعل ذلك، فهو لا يملك نارا، فقد تبين لنا أن لديه مخالب صغيرة، وأسنان صغيرة، كما أنه حيوان صغير جدا. أي أنه لا يوحي بأنه سيكبر ليصبح سحلية ضخمة شريرة وقاسية. كلا، ليس هذا هو أسلوبه في التخلص من أعدائه. كل ما يفعله هو محاولة إخافة عدوه، أعرف أن بعضكم قد يقول أنه في ورطة كبيرة، فهو ليس بحال يخيف به أحد، قد تكون على حق فهو لا يوحي لأحد بالخوف، ولكن إليك الطريقة التي يخيف بها أعدائه، أول ما يفعله، هو الانتصاب على قوامه الخلفية على هذا النحو، ويبدأ بالقفز ليوحي قليلا بأنه شرير سيئ الطباع وبالغ القسوة، ثم يفتح فمه على وسعه قدر الإمكان، يتبع ذلك مباشرة بنفخ الحنجرة، تماما كما ينفخ المرء بالون، وما أن يفعل ذلك حتى تنطلق النتوء التي حول عنقه لتبدو كالأسهم الحادة التي تحيط بذقنه. ما أن ينظر إليه الحيوان المعادي حتى يصرخ على الفور: يا إلهي، أسهم ! ليفر هاربا. فهو لا يريد أن يأكل السهام، ولا حتى أنت تريد ذلك أيضا.
لنفترض أنك عدت إلى البيت يوما وقالت أمك أن لديها طبق من الحراب. لا شك أنك ستعتذر عن تناول العشاء وتلتزم الحمية. أو ما رأيك بتناول غداء فيه زبدة الفستق والمربى وحسك السمك. لا يمكن أن يحدث ذلك، لا يمكن أن تأكل ذلك أبدا.
بما أنك لا تحب السهام، هناك حيوانات لا تحب أكلها أيضا، وهكذا يتخلص من أعدائه، فهو لا يقاتلهم، ولا يشويهم بالنار، بل يلجأ إلى إخافته بذقنه المغطاة بالسهام، ولا شك أنك توافقني بأنها فكرة سديدة للتخلص من الأعداء.
منقول عن الدكتور / د. نبيل خليل