تختلف الفترة التي يعيشها كل مولود في طولها من فرد الى آخر، ولكن دورة الحياة لا تختلف من فرد الى آخر إذا ما اكتملت بشكل طبيعي، إذ أنها تبدأ بمرحلة الطفولة وتمر بمرحلة المراهقة، ثم الشباب، فالنضوج، فالشيخوخة، وحين يختطف الموت الانسان خلال أو قبل بلوغ أي مرحلة من هذه المراحل فإن لذلك أسباباً كثيرة متعددة كالحوادث والأمراض، وقد تكون الوفاة بغير تلك الأسباب، فالموت حق على كل إنسان، والانسان له فترة طبيعية يحيا بها ونهاية معينة لا مهرب منها تضع حداً لحياته، وعلى الرغم من أنه لا يمكن التنبؤ مسبقاً بطول عمر كل فرد على حدة، فإنه بالامكان التكهن بأن عمر الفرد في المتوسط لا يتجاوز حداً معيناً، أو أن أقصى عمر يمكن أن يصل إليه أي انسان هو مثلاً مائة عام أو 120 عاماً.
ولا شك أن مثل هذا التكهن لا يختلف من فرد الى آخر فحسب، بل يختلف أيضاً من مجتمع الى آخر، ومن دولة الى أخرى، وعلى الرغم من اختلاف طول الحياة من فرد الى آخر، إلا أنه بالامكان تصوير الحالة العامة لمجموعة من الناس أو لشعب بأسره أو لمهنة معينة، وذلك عن طريق بناء جداول الحياة أو جداول الوفاة، ونحن في هذه الجداول لا نعني كل شخص على حدة، بل نعني الصورة العامة للحياة لكل المجموعة حيث تساعدنا مثل هذه الجداول على الاجابة على بعض الأسئلة المحددة التي تستهدف الاستدلال على طول فترة الحياة في أعمار معينة، كأن نتساءل عن عدد الذين بلغوا عامهم الأول من بين مجموعة من المواليد محددة العدد أو عن الذين بلغوا سن الخامسة عشرة أو العشرين أو الأربعين.. إلخ، فإذا ما حصد الموت هؤلاء المواليد جميعاً الى آخر فرد فيهم تساءلنا عن عدد السنوات التي عاشها هؤلاء المواليد على مدار الزمن الى أن ينقرض عددهم عن آخرهم، ثم نحصل في النهاية على متوسط طول الحياة أو العمر للشخص الواحد.
تعريف جدول الحياة وأهميته
تعد جداول الحياة من أبسط وأكثر وسائل التحليل العلمي المستخدمة في قياس ظاهرة الوفاة كفاءة، وفكرتها الأساسية تقوم على تتبع حياة فوج أو مجموعة افتراضية من المواليد من بداية مولدهم حتى وفاة آخر شخص فيهم.
ولعل أبسط تعريف لجدول الحياة أنه تاريخ حياة فوج افتراضي من الناس يولدون في نفس الوقت ويتعرضون للانقراض التدريجي بفعل الوفاة عند كل عمر وهناك أساسان لتكوين جداول الحياة هما:
> الأساس الأول: يقتضي تتبع مجموعة حقيقية من المواليد لفترة طويلة منذ ولادتهم وحتى وفاتهم جميعاً، وتعرف جداول الحياة من هذا النوع بجداول حياة الفوج، وهناك صعوبة عملية واضحة في إنشائها، إذ يقتضي ذلك فترة طويلة جداً لجمع هذا النوع من المعلومات.
> الأساس الثاني: يعتمد على استخدام مستويات الوفاة الفعلية لجميع السكان من مختلف الفئات العمرية (المركبة) خلال فترة زمنية معينة في تكوين الجدول، ويُعرف هذا النوع بجداول حياة الفترة وهو النوع الأكثر استخداماً من الناحية العملية.
وسواءً كانت جداول الحياة من النوع الأول أو النوع الثاني فإن هناك عدة افتراضات أساسية تخضع لها ظروف تكوين واستخدامات الجداول هي:
أ - إن الفوج السكاني الافتراضي يمثّل مجتمعاً مغلقاً، أي أنه لا يتأثر بعامل الهجرة، فليست هناك أية مكاسب أو خسائر عن طريق الهجرة والخسارة الوحيدة هي عن طريق الوفاة.
ب - إن مستوى الوفاة عند أي عمر أو فئة عمرية ثابت ولا يتغير مع الزمن.
ج - إن عدد الوفيات عند أي عمر أو فئة عمرية خلال السنة يتوزع بالتساوي على مدار السنة.
إذن فجدول الحياة ما هو إلا صورة رقمية مبسطة بمجتمع افتراضي يتصف بالسكون أو التوقف نظراً لثبات عدد المواليد فيه من عام الى آخر، ونظراً لتساوي عدد الوفيات السنوية فيه مع عدد المواليد السنوية، وكذلك نظراً لثبات معدلات الوفاة الخاصة بكل عمر فيه، أي أننا نفترض في بناء هذا الجدول ثبات أحوال الخصوبة والوفاة والحجم الكلي على الدوام، إلا أن جدول الحياة في المقابل يرتبط بفترة زمنية محددة، الأمر الذي يحد من تأثير هذه الافتراضات على دقة استخدامها.
ويعد جدول الحياة أداة مفيدة في قياس مستوى ونمط الوفيات وتحليل الخصوبة والتكاثر الصافي والهجرة والهيكل السكاني والاسقاطات المتعلقة بحجم السكان وتركيبها وفي التغيرات التي تطرأ عليها، وفي تحليل الخصائص الاجتماعية والاقتصادية المختلفة للسكان مثل الحالة الزواجية وقوة العمل والحالة التعليمية، وفي كثير من المجالات الأخرى مثل التأمينات على الحياة بمختلف أنواعها، كما أن جداول الحياة يمكن أن تستخدم في رصد أي ظاهرة ترتبط بالزمن، ومن جهة أخرى يمكن إنشاء جداول حياة للمجتمع ككل على المستوى الوطني والفئات من السكان كالذكور والاناث والحضر والريف وغيرها.