سأل نفسه: كيف يلج إلى داخل الناس، فكر قليلاً تذكر أنه قرأ يوماً ((وجوه الناس هي المدخل الحقيقي لما بداخلهم)) غابت الكلمات من فكره كأن دماغه بدأ يجف إنها حالة مرضية أصابت البلدة، شعر بالجوع مرة ثانية، تذكر أنه منذ قليل تناول رغيفين من الخبز الساخن، حاول أن يتذكر ما قاله الفران، تاهت مقدمة الحروف عن ذاكرته ها.. قال لنفسه: بعد أن شاهد دفعة من الصبايا تعبر الشارع باتجاهه، ربما تكون النسوة أكثر حيوية من الرجال في هذه البلدة، عليه أن يبدأ الرسم، خذلته الفكرة إنهن أكثر يباساً يا إلهي هل وصل العقم إلى نسائنا..؟ تذكر أنه يحمل مذياعاً صغيراً أخرجه أدار إبراته على المحطات، استغرب صوت المذيع، كأنه مذيع واحد.. حرائق – عواصف – قتل وتدمير – تهديد بالاعتداء. أغلق المذياع على تيارٍ كاد يصعق مقدرته على الاحتمال، إغلاق الحدود بوجه السياحة العامة، أمرٌ مهم هناك أوراق مسروقة، يجب التدقيق بجميع المسافرين للتحري والبحث عنها وإعادتها إلى مسؤول البلدية، تحوي مخططات الأرصفة والشوارع والثروات الباطنية، تذكر أنه سمع شيئاً عن الأقمار الصناعية وسرعة نقل الأخبار وسأل نفسه من جديد، هل يحمل جواز سفر، قرأ الجواز تأشيرة واحدة للمغادرة كرّر السؤال؟ إذاً كيف وصل إلى هذه البلدة حاول أن يتذكر أين كانت ولادته الأولى، بدأ يمسك تلافيف دماغه قبل أن تمحى هي الأخرى ما الذي أصابه، أخرج غليونه الفارغ، سحب نفساً عميقاً نفخ في الهواء هواءه الداخلي.
أيذكر أنه لا يحمل تبغاً ولا عود ثقاب، حدق بالورقة وببعض الوجوه التي رسمها إذاً كيف عرف سرّ نقص التروية الدموية عند الناس هو الذي لم يدخل كلية الطب يوماً، لمحات عبرت ذاكرته لصور معلقة على جدار غرفته، حاول أن يذكر وجوه أهله، أبناء قبيلته ربما ولدتْ في الصحراء لا.. يمكن في البادية تذكّر وجوه الغنم وحمار الراعي سليم وسايس الخيل وأجير القهوة المرة..
وعندما لم يجد أجوبة محددة طوى الورقة التي حملت ملامح الوجوه بداخلها ولف بها قلمه الأسود وأعاد الغليون إلى جيبه وراح يتأمل بقايا نهر آسن يجرجر مياهه النتنة، رائحة النهر أجفلت إحساسه بجمالية الحياة، طال به زمن التأمل مواجهاً جريان النهر، وعندما أراد أن يعود إلى غرفته تاه عنه طريق العودة...